السابع : أن يجتهد في الجمع في يوم واحد بين صوم تطوع ، وعيادة مريض ، وتشييع جنازة ، وإطعام مسكين ، فقد قال ﷺ : « ما اجتمعت هذه الخصالُ في رجلٍ في يومٍ إلا دخل الجنة » .
الثامن : أن يستحضر قول رسول الله ﷺ : «من أصبح منكم آمنًا في سِرْبِه ، مُعافًى في جسده، عنده قوتُ يومه ، فكأَنما حِيزَتْ له الدنيا بحذافيرها » .
وليستحضر قول رسول الله ﷺ : « يُصبح ([3]) على كل سُلَامَى ([4]) من أحدكم صدقة ، فكل تسبيحةٍ صدقةٌ ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وأمرٌ بالمعروف صدقة ، ونهيٌ عن المنكر صدقة ، ويجزي من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى ».
التاسع : أن يبادر بكتابة وصيته بشيء من ماله : ثُلُثٍ أو أقل ، إذا كان له مال كثير وورثته أغنياء ، فيوصي به إلى أقربائه من غير الوارثين ، أو لجهة من جهات الخير .
وإذا كان عليه دين ، أو عنده وديعة ، أو عليه حقوق يخشى أن تضيع على أصحابها بموته يجب عليه أن يوصي بذلك حتى لا يؤاخذه الله بها ، وكذا له أن يوصي بالعهد إلى من ينظر في شأن أولاده الصغار إلى بلوغهم .
العاشر : أن يستحضر أن هذا اليوم أو هذه الليلة قد يكون آخِرَ عهدِهِ بالحياة ، لقوله تعالى : ﴿ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُم ﴾ [ الأعراف : 185 ] ، وقد رُوِيَ عنه ﷺ أنه قال : «أكثروا ذِكْرَ هاذِمِ اللذات الموتِ ؛ فإنه لم يذكره أحدٌ في ضِيق من العيش إلا وسَّعه عليه ، ولا ذكره في سَعَةٍ إلا ضَيَّقَها عليه » .
وقال ﷺ : « أتاني جبريل ، فقال : يا محمد عش ما شئت ، فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مَجْزِيٌّ به ... » الحديث .
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : أخذ رسول الله ﷺ بمنكبي ، فقال : « كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ، وعُدَّ نفسَك في أصحاب القبور » ، وكان ابن عمر يقول : « إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك » .
نموتُ ونحيــا كلَّ يوم وليلــة @@@ ولا بدَّ من يومٍ نموتُ ولا نحيا
وقال بكر المزني ـ رحمه الله ـ : « ما مِن يومٍ أخرجه اللهُ إلى الدنيا إلا يقول : ابنَ آدمَ اغتنمني ، فلعله لا يومَ لك بعدي ! ولا ليلةٍ إلا تنادي : ابنَ آدمَ اغتنمني ، لعله لا ليلةَ لكَ بعدي ! » .
جواب بعض السلف
من سأله : كيف أصبحت ؟
وسُئل بعض الصالحين : كيف أصبحت ؟ فقال : « أصبحنا أضيافًا مُنيخين بأرض غربة ، ننتظر متى نُدعَى فنجيب » ، وقيل لآخر : كيف أصبحت ؟ فقال : « أصبحت وبنا من نعم الله ما لا يُحصَى ، مع كثير ما يُعْصَى ، فلا ندري على ما نشكر : على جميل ما نَشَر ، أو على قبيح ما ستَر » ، وقال رجل لأبي تميمة : كيف أصبحت ؟ قال : « أصبحت بين نعمتين لا أدري أيتهما أفضل : ذنوبٍ ستَرها الله فلا يستطيع أن يُعَيِّرَني بها أحد ، ومودةٍ قذفها الله في قلوب العباد لا يبلغها عملي » .
وقيل لمحمد بن واسع : كيف أصبحتَ ؟ قال : « ما ظنك برجلٍ يرتحِلُ إلى الآخرةِ كلَّ يومٍ مرحلةً ؟! » .
وقيل للإِمام مالك ـ رحمه الله ـ : كيف أصبحت؟ فقال : « في عمر ينقص ، وذنوب تزيد » .
وكان الربيع بن خُثَيْم إذا قيل له : كيف أصبحتم ؟ قال : « ضعفاءَ مذنبين ، نأكل أرزاقنا ، وننتظر آجالنا » .
وقال آخر : « أصبحنا أضيافًا مُنيخين بأرضِ غُربةٍ ، ننتظر متى نُدعَى فنجيب » .
وقال المزني : دخلتُ على الشافعي في عِلَّته التِي مات فيها ، فقلتُ : كيف أصبحتَ ؟ فقال : « أصبحتُ من الدنيا راحلًا ، وللإخوان مفارقًا ، ولكأسِ المنيةِ شاربًا ، ولسوء الأعمال ملاقيًا ، وعلى الله واردًا ، فلا أدري : أروحي تصير إلى الجنة فأحيِّيها ؟! أم إلى النار فأُعَزِّيها ؟! » .
([1]) تُكَفِّرُ اللسان : تتذلل وتخضع له ، وقال في النهاية : «التكفير : هو أن ينحني الإِنسان ، ويطأطئ رأسه قريبًا من الركوع ، كما يفعل من يريد تعظيم صاحبه » .
([2]) وليجتنب الغفلة عن فضيلة هذا الوقت المبارك بأن لا يعاود النوم بعد صلاة الفجر ، فقد روى صخر الغامدي أن رسول الله ﷺ قال : « اللهم بارك لأمتي في بكورها » ، قال : وكان إذا بعث سرية أوجيشًا بعثهم أولَ النهار ، وكان صخر رجلًا تاجرًا ، وكان إذا بعث تجارة بعثها أول النهار ، فأثرى ، وكثر ماله .
ولذلك قال النووي ـ رحمه الله ـ : « يُسن ـ لمن له وظيفة من نحوِ قراءةٍ ، أو علمٍ شرعي ، وتسبيح ، أو اعتكاف ، أو صنعة ـ فِعلُه أولَ النهار ، وكذا نحو سفر ، وعقد نكاح ، وإنشاء أمر » اهـ .
مَرَّ عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ على رجل بعد صلاة الصبح ، وهو نائم ، فحرَّكه بِرجله حتى استيقظ ، وقال له : « أما علمت أن الله ـ عز وجل ـ يطَّلِعُ في هذه الساعة إلى خلقه ، فيُدخِل ثُلَّةً منهم الجنة برحمته ؟ » .
ورأى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ابنًا له نائمًا نوم الصبحة ، فقال له : « قم ! أتنام في الساعة التي تُقسم فيها الأرزاق ؟ » .
وقال علقمة بن قيس : « بلغنا أن الأرض تعجُّ إلى الله تعالى من نومة العالِمِ بعد صلاة الصبح » .
وسئل مسعر بن كدام عن المروءة ، فقال : « التفقهُ في الدين ، ولزومُ المسجدِ إلى أن تطلعَ الشمسُ » .
([3]) أي : إذا مضى الليل ، وأصبح الإِنسان ؛ يلزمه صدقة على كل سُلامَى .
([4]) أصل السُّلامَى : عظام الأصابع وسائر الكف ، ثم استعمل في جميع عظام البدن ومفاصله ، قال الخطابي : « إن كل عضو ومفصل من بدنه عليه صدقة » ، والمقصود : أن كل عظم من عظام ابن آدم يصبح سليمًا عن الآفات ، باقيًا على الهيئة التي تتم بها منافعه؛ فعليه صدقة شكرًا لمن صوَّره ، ووقاه عما يغيره .