الأول : أن يستحضر أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ يستعتبه ، ويمد في أجله عسى أن يتوبَ إليه ، ويُقْبِلَ عليه، ولهذا المعنى كان ﷺ إذا استيقظ من نومه حَمِد اللهَ على أن « رَدَّ عليه رُوحَه ، وعافاه في جسده ، وأَذِن له بذكره » ، وقال رسول الله ﷺ : «ليس أحدٌ أفضلَ عند الله من مؤمنٍ يُعَمَّر في الإِسلام ، لتسبيحه ، وتكبيره ، وتهليله » .
وقال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ لجاريته حين أخبرته بطلوع الشمس : « الحمد لله الذي وَهَبَ لنا هذا اليومَ ، وأقالنا فيه عثراتنا ، ولم يعذبنا بالنار » .
وقال سعيد بن جبير ـ رحمه الله ـ : « كلُّ يومٍ يَعيشُه المؤمنُ غنيمة » .
الثاني : أن يلزم الاستغفار ، ويجددَ التوبة من جميع الذنوب بالكف عنها ، والندم عليها ، والعزمِ الأكيدِ على عدم معاودتها ، وأداءِ الحقوق إلى أصحابها .
قال طَلْقُ بنُ حبيب : « إن حقوق الله تعالى أعظم من أن يقوم بها العباد ، وإن نعم الله أكثر من أن تُحْصَى ، ولكن أصبِحوا تائبين ، وأمسوا تائبين » .
وقال رجل لحاتم الأصم : « ما تَشتهي ؟ » قال : « أشتهي عافيةَ يومٍ إلى الليل » ، فقال له : « أليست الأيام كلها عافية ؟ » ، قال : « إن عافية يومي أن لا أعصي الله فيه » .
الثالث : أن يكون من أصحاب هَمِّ الآخرة ، قال ﷺ : « من كانت همَّه الآخرةُ ؛ جمع الله له شملَه ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا راغمةً، ومن كانت همَّه الدنيا ، فرَّق الله عليه أمره ، وجعل فقره بين عينيه ، ولم يأته من الدنيا إلا ما كَتَبَ الله له » .
وذلك يقتضي أن يجتهد في تعمير وقته ، وشغل قلبه بكل ما يرضي الله من صالح الأعمال .
قال رسول الله ﷺ : « ما طَلَعَتْ شمسٌ قطٌّ إلا بُعِث بِجَنْبَتَيْها ملَكانِ ، إنهما لَيُسْمِعانِ أهلَ الأرضِ إلا الثقلين : يا أيُّها الناس هَلُمُّوا إلى ربكم ، فإنَّ ما قلَّ وكفى ، خيرٌ مما كثُر وألهى ، وما غربت شمسٌ قط إلا وبُعِث بجنبتيها ملكانِ يناديان : اللهم عَجِّلْ لمنفقٍ خَلَفًا ، وعَجِّلْ لمُمْسِكٍ تَلَفًا ! » .
الرابع : أن يعزم على كف شره عن الناس ، ويطهر قلبه من الغل لأَيٍّ من المسلمين ، قال الصحابي - الذي بشره النبي ﷺ بأنه من أهل الجنة - لعبد الله بن عمرو لما أقام معه ثلاثًا كي يرقب عبادته ، فاستَقَلَّها ، وسأله عما يكون قد بلغ به هذه المنزلة ، فقال ـ رضي الله عنه ـ : « ما هو إلا ما رأيتَ ، غير أني لا أجد على أحد من المسلمين في نفسي غِشًّا ، ولا حسدًا على خير أعطاه الله إياه » ، قال عبد الله : فقلت له : « هي التي بلغت بك ، وهي التي لا نطيق » .
الخامس : أن يستحضر قولَ رسولِ الله ﷺ : « إذا أصبح ابنُ آدمَ فإن الأعضاءَ كلها تُكَفِّر ([1]) اللسان ، تقول : اتق الله فينا فإنما نحن بك ، فإن استقمتَ استقمنا ، وإن اعوججتَ اعوججنا » ، وقولَه ﷺ : « أكثرُ خطايا ابنِ آدمَ في لسانه » .
السادس : أن يمكث في مصلَّاه بعد صلاة الصبح يذكر الله حتى تطلع الشمس ، ثم يصلي ركعتين ، وأن يمكث كذلك بعد صلاة العصر ، فإنه من أشرف أوقات الذكر ([2]) .
قال رسول الله ﷺ : « من صلى الفجرَ في جماعة ، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمسُ ، ثم صلى ركعتين ، كانت له كأجر حَجةٍ وعمرةٍ تامَّةٍ تامةٍ تامةٍ » .
وعن جابر بن سمرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ﷺ « كان إذا صلى الفجرَ قعد في مُصَلَّاه ، حتى تطلُعَ الشمسُ » .
وعنه ـ رضي الله عنه ـ قال : « كان ﷺ إذا صلى الفجر ، تربَّع في مجلسِهِ حتى تطلع الشمسُ حسناءَ » .
واعلم ـ رحمك الله ـ أن السلف كانوا يكرهون الكلام ـفي المسجد ـ بعد ركعتي الفجر ، حتى تطلع الشمس :
- فعن عطاء قال : خرج ابن مسعود على قوم يتحدثون بعد ركعتي الفجر ، فنهاهم عن الحديث ، وقال : « إِنما جئتم للصلاة ، إِما أن تصلوا ، وإِما أن تسكتوا » .
- وعن أبي عبيدة قال : « كان عزيزًا على ابنمسعود أن يتكلم بعد طلوع الفجر إلا بذكر الله » .
- وعن حصيف قال : سألت سعيد بن جبير عن آيةٍ بعد الركعتين فلم يجبني ، قال : فلما صلّى قال : « إِنه ليكره الكلام بعد الركعتين » ، قلت : يقول الرجل لأهله : الصلاةَ ، قال : لا بأس .
- وعن عثمان بن أبي سليمان قال : « إِذا طلع الفجر فليسكتوا وإِن كانوا ركبانًا » .
- وذكر أن ابن المسيب كان يقول : « أنا إِذًا أحمقُ مِنَ الذي يتكلم بعد ما يطلع الفجر » .
- وقال الأوزاعي ـ رحمه الله ـ : « كان السلف إِذا صدع الفجر كأنما على رؤوسهم الطير ، مقبلين على أنفسهم ، حتى لو أن حميمًا لأحدهم غاب عنه حينًا ثم قدم ما التفت إِليه ، فلا يزالون كذلك حتى يكون قريبًا من طلوع الشمس » .
- وقال الوليد بن مسلم : « كان الأوزاعي يبيت في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس ، ويخبرنا عن السلف أن ذلك كان هديهم » .
- وعن إِبراهيم : أنهم كرهوا الكلام بعد ركعتي الفجر .
- وعن مالك قال : كان سعيد بن أبي هند ، ونافع مولى ابن عمر ، وموسى بن ميسرة ، يجلسون بعد صلاة الصبح حتى يرتفع النهار ، ثم يتفرقون ، ما يكلم بعضهم بعضًا ، فقلنا له : اشتغالًا بذكر الله ؟ قال : « كل ذلك » .
- وعن مجاهد قال : رأيت ابن عمر صلى ركعتي الفجر ثم احتبى ، فلم يتكلم حتى صلى الغداة .